د. عبدالعزيز المسلّم يكتب: مدن تهدأ على عتباتها الروح

هناك مُدُن تريح القلب وتهدأ على عتباتها الروح، فعندما تحلُّ في مدينة ما داخل دولتك أو خارجها، تداهمك أحاسيس خاصة بكل مدينة، فهناك مدن ينقبض فيها قلبك، وتثور روحك غضباً تطالب برحيلك من تلك المدينة، ومدن يهدأ القلب فيها وترتاح الروح طالبة البقاء هناك لأوقات أطول.

الشارقة مدينتي التي تمتزج روحي بهوائها ويحن لها قلبي كلما ابتعدت عنها، فهي مسقط رأسي وذكرى طفولتي ومهد معارفي وطريق نجاحي، لذا لن أتحدث عن مدينتي فحديثي عنها كحديثي عن والديّ، لكن ما يمكن قوله حول الشارقة، إن كل من زارها ارتبط بمحبتها ارتباطاً فيه كثير من الحنين والشوق لمدينة لا يمكن إلا أن تقع في هواها.

في الإمارات العربية المتحدة مدينتان فيهما حب وشوق فريد، هما مدينة العين التي لها تأثير وجداني عميق وراحة روح قلما تجد لها مثيلاً، فهي مدينة هادئة ولطيفة، تشم في هوائها رائحة النخيل، ويلامس شغاف قلبك لطف أهلها وترحابهم الدائم. أما المدينة الإماراتية الأخرى فهي خورفكان التي كان لطفولتي نصيب منها، فهي مدينة لا تجلب إلا المودة، تسكن فيها الروح وتأتلف القلوب، لها أكبر نصيب من نسمات بحر العرب، وتنهد الأشرعة وخيرات البحر.

من المدن الأوروبية الجميلة التي أحن لها دائماً مدينة تورينو في إيطاليا، مدينة الثقافة والفن والجمال، فلتلك المدينة نغم شجي تعزفه القلوب، وهدوء مخملي تهدأ عنده الروح.. تورينو هي الفنون التشكيلية والموسيقى وأرفف الكتب، وهي القهوة الزكية والشوكولاتة الحلوة، وحقول العنب والبندق.

لندن أيضاً مدينة أوروبية مرحة ترتاح فيها الروح ويحن لها القلب، ثقافة راقية وفنون متألقة، وحوائط مبانٍ يرتسم فيها التاريخ، وروعة التنظيم والتخطيط لشوارع وأحياء غاية في الأناقة، وحدائق ومتاحف ونصب تذكارية وأحياء تجارية وفنية.

مدينة هلسنكي في فنلندا هي أيضاً من المدن التي يحتويني الشوق لها، فهي مدينة آسرة بهدوئها، وروعة تنظيمها، واعتنائها المدلل بتراثها الثقافي وذاكرتها الشعبية.. معبد الصمت وأرشيف المأثورات الشعبية والمكتبات وآلة (الكنتلي) ذات العمر المديد من آلاف السنين والحرف التقليدية العصرية عند الشباب، وكلها تزيد خفقات الحب في القلوب.

    

* المقال حرية الرأي لكاتبه.