الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
ads
ads
رشا الشايب
رشا الشايب

رشا الشايب تكتب | حقيقة الإبتلاء

الجمعة 26/أبريل/2019 - 09:44 ص
طباعة


الابتلاء ببساطة هو ذاك الكرب الذي يضرب الإنسان في أعز ما يملك، وهو في ذلك أنواع، فنوع يُصيب الجسد، ونوع يُصيب النفس، وآخر يضربُ ما وقر في النفس من إيمان فيرجع بالعقل إلى نقاط البدايات، وآخر نوعين أصعب الأنواع وأشدهما على الإطلاق.
كما أن الابتلاء يتدرجُ من اللّين إلى الشدّة الشديدة، ويتزايدُ أو ينقص ألمه حسب قوة إرادة المُبتلِى وتحمُلِ نفسه الألم قبل جسده.
والابتلاء إما أن يصيب الجسد فقط والنفس سليمة، وإما أن يُصيب النفس ويبقى الجسد مُعافى، فيغتالها وينقض على انسجامها وسلامها، وإما أن يعصف بالاثنين معا على حدٍ سواء، وهذا أمرٌ عظيم، ليس بالهيّن أو البسيط.
فحين يمرض الجسد، تعكف النفس على توفير الراحة له، تقف بجواره، تدعمه، تشجعه على اجتياز الأزمة، تذكره دوما أنها مؤقتة، لم ولن تدوم، وأن الشفاء مهما اشتد المرض، مازال هو المكتوب، وأن الراحة آتية لا محال، وَسَتَحِل قريباً فهي الأمل والمراد المنشود، بعد أوقات عصيبة من الألم والتعب والسُهد؛ ضيوف الجسد المريض المكلوم، ضيوفا غير مُرحبٍ بهم، سكنوا الأجساد على عكس الرغبة والإرادة، سكنا اضطراريا محتوم.
ولكن ما يبعث على الاطمئنان أن النفس سليمة، نعم، مازالت سليمة، ساكنة، مطمئنة، صابرة، قوية، تستمد قوتها من خالقها، وكلما استنفدت طاقاتها، أو نفذ رصيد تحملها، لجأت لخالقها مرة أخرى تنهلُ من فيضه، فتطلبُ النجدة وتستغيث ولا تفقد الأمل، لأنها لم تنسَ المُعين، واهب النور بعد الظلام، وباعث الأمل حينما يشتد اليأس وتتعالى صيحات الآلام، وكاشف الحقيقة بعد استحكام الضلال.
فالنفس هنا سليمة عرفت دورها وهو الوقوف مع الجسد حتى يبرأ، وفهمت أيضا طريقها، فكلما نَضَبَ ينبوع إمداداتها؛ لجأت لخالقها لشحنه من جديد، وكلما ذبل نهر إشراقاتها، استغاثت به لتُشرق من جديد.
فقد عرفت المَنبع وأيقَنَت مَوطنه، وذهبت للأصل واحتمت بقدرته، وفهمت الحكمة فطلبت رحمته، وأيقنت الهدف فاستغاثت تطلب نجدته.
والنفس تفعل كل ذلك، وهي حبيسة الجسد، تجري ذهابا وإيابا وهي في مكانها، تتألم وتبكي على حال الجسد ولا يدري بها أحد، وكل ذلك لكي تنقذ الجسد حتى يستعيد عافيته من جديد.
تلك النفسُ السليمة عظيمة، فهي إن وَهَنَ الجسد أعانته، وإن مَرَضَ أنقذته، وإن خَرّ أقامته، يَضعفُ فتُقوّيه، يتألمُ فتُداويه، يبكى فتُواسيه.
ولطالما تمنيتُ أن أملك مثل تلك النفس كي تعينني على مصائب الدنيا وفواجع الأقدار، ولكن، لن تكن لك النفس قوية في مواجهة ابتلاءات الجسد إلا إذا أعنتها وّشّدّدتّ من أزرها وقويت من إرادتها وعززت من إيمانها في أوقات الرخاء.
ولكن يبقى السؤال؟ ما حقيقة الابتلاء؟ أو لماذا يأتي الابتلاء؟ وما السر وراءه؟
وأستطيع أن أوجز لكم حقيقة الابتلاء في السطور التالية، فهو إما أن يكون ناتج عن ظلمٍ، أي قد ظَلمَتَ أحدهم ونَسيتَ مثلاً، ويأتي لك الابتلاء كرد فعل لِظُلمك، تمثّل في ثأر الله منك من دعوة مَظلوم عليك.
 أو ابتلاء لاختبار قوة إيمانك وصبرك أو ابتلاء جاء تكفيرا لذنوبك.
 أو ناتج مثلا عن اختبار وضعه الله لك كي يختبر فيك قيما ومعايير طالما ردّدت إيمانك بها بل وتجرّأت على غيرك في حكمك عليهم إن لم يفعلونها، فأراد أن يضعك الله محل من انتقدت واستهزأت وتعجبت ليُريك نفسك وصنيعة فعلك المُشين والذى لطالما انتقدته على غيرك.
أو بلاء جاء بسبب رغبة إلهية عميقة للعودة إلى الخالق وحده لطلب النُصرة والفرج بعد أن بالغت في البعد عنه أميالا وأميال.
أو ابتلاء جاء في زوال أمر أو شخص قد تعلّقت به تعلقا مرضيا شديدا، فيحرمك ممن تعلقت بهم، ليُعلمك من ابتلاك ألاّ تتعلّق بأحد ذاك التعلُّق المرضى المّقيت.
أو ابتلاء أقل شدة جاء ليمنع عنك ابتلاء أشد، أو ابتلاء أصابك لكي تشعر بآلام أناسٍ قلّلتَ من آلامهم وسخرت من جُرحهم واستصغرت مصيبتهم و استهزأت بضآلة مشكلتهم، فوُضِعت في نفس الموضع كي تشعر حقيقةً بآلام غيرك.
أو ابتلاء جاءك لينسفَ لديك مفهوم الحُكم الظاهري الساذج على الأفراد، فالغني لديه ابتلاءاته أيضا ولا يقتصر البلاء فقط على إقتارٍ في الرزق والمال.
أو ابتلاء جاءك ليُعلمك أن ليس كل ما تطلبه خيرٌ لك، فبعد أن كنت تطلب شيء ما وبإلحاح من خالقك وتدعو بأن تفوزَ به، وما إن امتلكتهُ وأصبح بين يديك إلا واكتشفت أنه كان سبب كل آلامك وحزنك، وفهمت بعدها أن حصولك على هذا الشيء كان قمة الابتلاء وأنك أيضا لا تملك حدود المعرفة الكلية وجوانب الحقيقة الخفية.
وأخيرا بلاء من نوع آخر، هو في باطنه رحمة شديدة بك، وهو ابتلاء يضرب العلاقات بين الأفراد، فجاءك ليكشف لك الله حقيقةَ الأشخاص من حولك بعد أن أطلعكَ على جزء من حقيقتهم، وبعد أن رآك بريئا مسالما مخدوعا فيهم رافضا حتى أن ترى عيوبهم لا أن تُصدقها، فيكشف لك بأحداث ومواقف لا تدع مجالا للشك حقيقة محبتهم لك بل قل ادعاءاتهم تجاهك.
والحِكَم من الابتلاءات كثيرة، والذكي فقط من يفهم الحِكمة المُخبأة وراء الابتلاء والسر الذي يريد أن ينطق به.     
 
ads
ما مدى انتشار واتساع الصحافة الالكترونية بالوطن العربي ؟
ما مدى انتشار واتساع الصحافة الالكترونية بالوطن العربي ؟